«مدونة سلوك الموظفين» بين القضاء على الفساد ومبادئ ينقصها «عقوبات»

«مدونة سلوك الموظفين» بين القضاء على الفساد ومبادئ ينقصها «عقوبات»
«مدونة سلوك الموظفين» بين القضاء على الفساد ومبادئ ينقصها «عقوبات»

- «مدونة السلوك»: عدم استخدام الوظيفة للحصول على مكاسب مالية.. وعدم القيام بأنشطة سياسية تقوض ثقة المواطنين


- عدم الاحتفاظ بالمقصرين.. ويُحظر الإضراب عن العمل ونشر المقالات التي تسئ للحكومة على مواقع التواصل


- د. «الشافعي»: يجب تفعيل برامج الحماية الاجتماعية والمشروعات الصغيرة للموظفين الذين يتم الاستغناء عنهم


- د. «الدمرداش»: تحتاج لقانون يطبقها والدول لا تبني بالأخلاق والضمير.. وهل «الخدمة المدنية» منقوصا؟


- د. «الدسوقي»: ينقصها النص على عدم استغلال النفوذ.. ومعظمها تكرارا للائحة الجزاءات بالقانون
 

 

الروتين والبيروقراطية والفساد الإداري جميعها صُداع في رأس الحكومة من تراكمات سنوات طويلة، لكن تسعى الدولة جاهدة للتخلص منها حاليا وتقديم أفضل خدمة للمواطنين، إذ تعكف وزارة التخطيط ممثلة في «المعهد القومي للإدارة» على إعداد «مدونة سلوك» لموظفي الجهاز الإداري للدولة في ضوء الدستور وقانون الخدمة المدنية وإستراتيجية الدولة لمكافحة الفساد، تحدد المعايير الحاكمة لعلاقة الموظف مع الجمهور مُستحق الخدمة، وكذلك تنظم علاقة الموظف مع المجتمع خارج العمل وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ ومن المقرر أن تُرسل المدونة لمجلس الوزراء لإقرارها رسميا.


في هذا الصدد، ناقشت «بوابة أخبار اليوم» بنود المدونة مع الخبراء، لاكتشاف الإيجابي والسلبي منها، وكيف تنعكس على أداء الجهاز الإداري للدولة، وماذا أضافت على مواد قانون الخدمة المدنية رقم (18) المُنظم للعاملين المدنيين بالدولة، وكذلك نستعرض أهم بنود مدونة السلوك في سياق هذه السطور.

 

مدونة سلوك الموظفين
بحسب المسودة الأولى للمدونة، والمنشورة على الموقع الرسمي للمعهد القومي للإدارة، تتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية لمدونة القيم والسلوك الوظيفي، على رأسها اختيار الموظفين وترقيتهم على أساس قدراتهم ومعرفتهم ومهاراتهم، ومعاملة جميع الموظفين معاملة عادلة من الناحية الإدارية، بما في ذلك من عدالة منح الأجر بتقاضي القائمين بالوظائف المتماثلة رواتب متساوية، ووجود قدر كاف من وسائل التحفيز والتقدير وتصويب أداء غير المتـميزين، وعدم الاحتفاظ بالمقصرين الذين تم إنذارهم تكراراً، والبعد بالموظفين عن تدخل الميول الشخصية أو الإكراه على الموالاة لأغراض شخصية أو سياسية، والحفاظ على أسرار العمل.

 

وتشمل المدونة مجموعة من الالتزامات للجهة الحكومية تجاه الموظف على رأسها تشجيع الموظفين على التدريب وروح المبادرة والابتكار، وتوفير فرص للموظفين للمشاركة في تقديم الاقتراحات المتعلقة بتحسين الخدمات، واتخاذ الإجراءات التي تتسم بالشفافية والنزاهة والتي تنأى عن أي اعتبارات ذات صلة بالقرابة أو الصداقة أو بالمفاهيم النفعية، ودون أي تمييز مبنى على النوع الاجتماعي أو العرق أو العمر أو الدين.

 

وتتضمن المدونة التزامات للموظفين، على رأسها التقيد بأوقات العمل الرسمية وإتباع الإجراءات التي تحددها اللائحة الداخلية للوحدة في حالة التغيب أو التأخير عن العمل، وعدم التمييز في تقديم خدماته للعملاء، وعدم الإساءة إليهم واستغلالهم لمنفعة شخصية بسبب الخدمات المقدمة.

 

وشددت المدونة على أنه لا يجوز للموظفين الحكوميين تمثيل أو التعبير عن آرائهم السياسية في أداء المهام الرسمية، كما لا يجوز لموظفي الخدمة المدنية القيام بأنشطة سياسية يمكن أن تقوض ثقة المواطنين في قدرته على أداء الواجبات الرسمية بطريقة مناسبة، وعدم إفصاح موظفي الخدمة المدنية، سواء في علاقاتهم مع المواطنين والكيانات القانونية، وكذلك في علاقاتهم مع الموظفين الآخرين، عن أي هوية سياسية أو عن عضويتهم في حزب سياسي معين.


وألزمت المدونة موظفي الخدمة المدنية تجنب استخدام الوظيفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحصول على مكاسب مالية أو أي شيء ذي قيمة لمصلحة خاصة به أو بعائلته، وعدم استغلال أو توظيف المعلومات التي يحصل عليها أثناء تأديته لمهامه الرسمية بعد انتهاء عمله في الإدارة كوسيلة لتحقيق منافع شخصية لنفسه أو لغيره بشكل مباشر أو غير مباشر أو للإساءة إلى الغير.

 

وطالبت المدونة الموظف بالحصول على الموافقات اللازمة وفقا للقوانين في حالة الرغبة في الاشتراك في عملية جمع التبرعات أو الجوائز أو المساهمات العينية لمؤسسات خيرية، وتفادى إقامة علاقات وثيقة مع أفراد أو مؤسسات تعتمد مصالحها بشكل أساسي على قراراته أو قرارات إدارته، والتأكيد على عدم استخدام الألقاب العسكرية في الوظائف المدنية مما يؤدى إلى ازدواج المسميات الوظيفية.

 

وفيما يخص التعامل مع المؤسسات الإعلامية والصحافة، طالبت الموظف عدم إفشاء أسرار العمل وعدم نشر أو الإدلاء بالبيانات أو المعلومات المتعلقة بوظيفته أو بسياسات واستراتيجيات جهة عملة إلى أجهزة الإعلام ودور الصحافة والنشر أو أي جهة أخرى إلا بموجب تصريح من الجهة المختصة بالتعامل مع هذه الأجهزة.


أما عن التعامل مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، طالبت المدونة  بمراعاة أن تكون الحسابات الشخصية للموظف العام على مواقع التواصل الاجتماعي ممثلة له فقط؛ فلا يجوز استخدام الآراء والمواقف الشخصية باعتبارها ممثلة لموقف الجهة الحكومية التي ينتمي إليها ولا تعكس بأي حال من الأحوال سياسة الحكومة، ويراعى حق الموظف في التمتع بحرية الحديث وإبداء الرأي والشكوى الموضوعية مع ضرورة الالتزام والمحافظة على الآداب العامة والنظام العام والقوانين السارية في هذا الشأن.

 

وشددت المدونة ، على أنه يجب على الموظف أن يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بلباقة وموضوعية وعدم كتابة الرسائل أو نشر المقالات المجهولة أو غير المجهولة التي تسئ إلى جهة عملة والمسئولين فيها، أو إلى الحكومة بشكل عام، أو أية جهة خاصة أخرى، وفى جميع الأحوال يتحمل الموظف الحكومي مسئولية ضمان عدم الإضرار على مواقع التواصل الاجتماعي بسمعة الجهة الحكومية التي ينتمي إليها أو التشهير أو القذف أو التطاول بسمعة الجهات الحكومية الأخرى أو بشخوصها.

 

علاوة على عدم تحميل النصوص والصور التي تحتوى على مواد غير أخلاقية، أو عنصرية، أو تحرض على العنف والكراهية، وعدم استخدام الجهاز والإنترنت لمحاولة الدخول والتسلل إلى أجهزة أو شبكات أخرى، وعدم استخدام الانترنت لإرسال مواد سرية أو غير مسموح بنشرها أو تحتوى على تهديد ومضايقات للآخرين، أو أيه أنشطة غير قانونية.

 

وعلى الموظف ألا ينشر في ملفات التعريف الشخصية به المنصب أو المسمى الوظيفي أو بيانات الاتصال الرسمية الخاصة به في العمل لأغراض المراسلة، وفى حال كون الموظف شخصية عامة مرتبط لدى الجمهور بمنصبه الحكومي يجب عليه عرض بيان واضح لإخلاء المسئولية يوضح أن ما يقوم به من أنشطة وما يقدمه من تعليقات على هذا الموقع إنما يمثل آرائه الشخصية ولا صلة للجهة الحكومية به، وعلى الموظف عدم استغلال المعلومات التي يحصل عليها أثناء أدائه للمهام الوظيفية ونشرها بأي طريقة.

 


وشددت على أن الآراء السياسية والمعتقدات الدينية منفصلة عن تأدية العمل الحكومي وفقاً للأصول المهنية المتعارف عليها، كما يحظر على الموظفين الإضراب عن العمل، أو تحريض الغير عليه، والامتناع عن تنظيم العرائض الجماعية المتعلقة بالوظيفة أو الاشتراك في تنظيمها مهما كانت الأسباب والدوافع،  كما يحظر ارتكاب المخالفات الإدارية أو الجرائم أو المشاركة في أي من ذلك، ولاسيما التي تؤثر بالسلب على سير العمل بانتظام كأعمال الشغب وتخريب الممتلكات العامة وتنظيم التجمعات والاعتصام غير المرخص بها.

 

القضاء على الفساد والبيروقراطية
في البداية، يقول الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للبحوث والدراسات الاقتصادية، إن مدونة السلوك التي بصدد إقراراها من الحكومة تقضي على الفساد والبيروقراطية التي انتشرت في الجهاز الإداري للدولة، مضيفا أنها تساهم في عدم تقسيم المجتمع وتقضي على حالة الاستقطاب التي عانينا منها كثيرا، وتفصل الموظف عن العمل السياسي والعمل العام.

 

ووصفها د. «الشافعي»، بأنها مدونة صائبة، ونتمنى تطبيقها بكل حرفية مهنية وتصب في صالح تقديم الخدمات للمواطن العادي بشكل جيد، منوها على ضرورة إدراج وتفعيل الحكومة الإلكترونية حتى تكتمل المنظومة للقضاء على الفساد تماما في الجهاز الإداري للدولة.


وتابع أن تطبيق هذه المدونة يجعل مؤشرات مصر في الشفافية والتنمية تتقدم للأفضل، ويشعر المواطن بهذه النتائج الايجابية وتزيد الاستثمارات ويرتفع الوعي بالمجتمع، وتتحقق العدالة بكافة معاييرها.

 

وشكر الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للبحوث والدراسات الاقتصادية، وزارة التخطيط على إعداد هذه المبادرة، لافتا إلى أنه من ينفذها لابد أن يكون لديه من الخبرات والحيادية لتحقيق الهدف المرجو منها، بالإضافة للفكر والرؤية ويتم مراجعة أعمال هذه اللجنة بكل شفافية من قبل الأجهزة الرقابية بالدولة.
ولفت إلى ضرورة التأكد من أن تطبيق المدونة يتم بعيدا عن الأهواء الشخصية، منوها إلى أن الموظف لازال يعتمد الوظيفة الحكومية بشكل أساسي وإذا كان هناك تخلي عن الموظفين غير المهرة فلابد أن تكن هناك بدائل لهم حتى يكملوا بها مسيرتهم المعيشية كبرامج الحماية الاجتماعية والمشروعات الصغيرة والقروض الميسرة، حتى لا يتحول هؤلاء للبطالة ويصبحوا طاقة معطلة، فلابد من دمجهم في مجتمع الأعمال وتستفيد بهم الدولة في قطاعات آخري من الاقتصاد المصري.

 

وأشار د. «الشافعي»، إلى أن الموظفين المقصرين الذين يتم الاستغناء عنهم؛ يجب أن يحصلوا على حقوقهم مثل مكافأة نهاية الخدمة ليكمل بها حياته المعيشية، مشددا على ضرورة طرح المدونة للحوار المجتمعي، وإيجاد آلية لتنفيذها وبرامج تدريب وتحفيز للموظفين، مؤكدا أنه يجب أن نرفع شعار حب الوطن والمستفيد الوحيد هو الدولة المصرية.

 

 مدونة أخلاقية وينقصها «الإلزامية»
وقال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن هذه المدونة كود أخلاقي مهني، ومن ينظم هذه العلاقات هي القوانين، ويُفهم من المدونة أنها استرشادية وليست بقوانين، وتشبه ميثاق الشرف الصحفي، وليست لها حجية القانون، وليست إلزامية، وإنما التزام أخلاقي أو أدبي، ومعظم بنود المدونة «جيدة جدا» لكن لابد من قوة قانون لفرضها.

 

وتابع د. «الدمرداش»، أن الدول لا تبنى بالضمير والأخلاق، وإنما تبنى بالقوانين، لافتا إلى أنه لا يتفق مع التشديد على الموظف في الجزء الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي والعمل السياسي، حتى لا تتعارض مع حقوقه التي كفلها الدستور.

 

وأوضح أن الموظف لديه حقوق مواطنة كفلها الدستور فالقانون الخاص لا يلغي القانون العام، مطالبا بوجود قانون يتضمن مبادئ المدونة وينص على عقوبات ويكون له صفة الإلزام.  


وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن العبرة ليست بما نقول من شعارات بل بما نفعل، والنفعية لا تتحقق من مقولة بل من فعل، ومشكلة مصر أن القانون لاينفذ!.


وتساءل عن طبيعة مدونة السلوك هل هي ملحقات لقانون الخدمة المدنية الذي استغرق سنوات لإعداده والجدل حوله؟ وما هي البنود التي لم يتضمنها القانون ولماذا لم يتضمنها؟ كي تكملها بمدونة سلوك!، وبعد كل هذا المخاض في قانون الخدمة المدنية تكمله بمدونة سلوك كأن القانون لا يكفي وجاء منقوصا!.


وأوضح أن أغلب بنود المدونة كالترقيات وإنهاء خدمة الموظفين نص عليها قانون الخدمة المدنية، إلا أن المدونة أضافت الجزء الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي.

 

المدونة ينقصها «استغلال النفوذ»
وأشاد الدكتور صلاح الدسوقي، رئيس المركز العربي للإدارة والتنمية، بخطوة إعداد مدونة للسلوك تحدد سلوكيات الموظف في العمل، وتزداد قيمتها عندما تخاطب الجوانب الحقيقية التي تساعد على سلوك الأداء، لافتا إلى أنها معظمها بنود أخلاقية لا يختلف عليها إثنين، وبعضها ضمن لائحة الجزاءات في القانون واللائحة التنفيذية، ولا داعي لإعادتها.

 

وأكد أن الموظف من حقه مباشرة حقوقه السياسية طبقا للدستور، ولا يجب مخالفته، وخارج العمل يمارس المواطن حياته السياسية والاجتماعية ضمن حقوق المواطنة، منوها إلى أن المواطن من حقه التعبير عن آرائه على مواقع التواصل الاجتماعي.


ولفت إلى أن المدونة ينقصها النص على عدم استغلال النفوذ، وهي تضمنت الشفافية والنزاهة كعدم الانتفاع بوظيفته وتحقيق مكاسب مادية.